المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذكريات على تلال مكة (5/10)


يا أمير البررة
09-18-2014, 07:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجّل فرجهم يا كريم
السلام عليك سيدي ومولاي يا بقية الله في أرضه ورحمة الله وبركاته

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

- ذكريات على تلال مكة للشهيدة بنت الهدى ( آمنة الصدر ) -


وتوجهنا الى مقام ابراهيم لنصلي إلى جواره أو خلفه صلاة الطواف ، وهي ركعتان كصلاة الصبح لا تختلف عنها الا بالنية فقط ، وكانت تلك البقعة المباركة مليئة بالمصلين ولولا شمولنا بعين عناية الله ورحمته لتعذر علينا ان نجد لنا مصلى هناك وبدأنا نصلي على التعاقب لكي تحرس كل أربع منا المصلية الواحدة مخافة أن تتعرض لما يفسد صلاتها من آثار الزحام ... ومن هنا تبرز حقيقة جديدة لعميق أهمية الصلاة في حياة الانسان ، فهي تواكب حياته في اليوم خمس مرات وهي ترافقه حتى في عبادة الحج لكي لا يبتعد عن هذه الصلة الوثيقة التي تشده بالخالق دائما وابدا ، انها ركعتان لا غير ولهذا فهي صغيرة اذا قيست مع حجم عبادة الحج الكبير وضخامة أعماله وواجباته ، ولكنها مع ركعاتها القليلة كانت ركنا من أهم أر كان الحج يجب الاتيان بها مع اتقان الكلمات والتأكد من الحركات وخلوص النية في الاداء ،{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} انها سلاح هذه الصلاة سلاح يجند الانسان المصلي ليقف في خط الدفاع يدافع بها عن روحه ليحتفظ بها قوية عزيزة لا تعرف الخضوع لغير الله ولا تلتمس الرجاء الا من عند الله {إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} ويدافع بها عن فكره لكي لا يشمله الخمول أو يرهقه الشذوذ أو تتبعه الحيرة والضيعان والتذبذب والتيهان {إهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} ويدافع بها عن وجوده كله عن اعصابه لكي لا يشدها اليأس وهو يتمكن ان يدعو من خلالها قائلا {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وعن اعضاء جسمه لكي لا يضعفها الخمول او يوهنها الجمود فيبعث فيها الحركة باتباعه لرياضة الصلاة وتفاعلها الصالح مع كل عضو من اعضائه وله ان يعبر عن ذلك خلال تحركاته فيها قائلا « بحول الله وقوته أقوم وأقعد » .. نعم انها سلاح قوي لا غنى للانسان عنه ولهذا نجده يواكب حياة الانسان ليجعله دائما وابدا قويا في دينه ثابتا في عقيدته صلبا في ارادته وابعاد وجوده وانتهينا من الصلاة وكانت صلاتنا خلف المقام المبارك بمكان قريب والحمد لله وكان علينا ان نتوجه بعد ذلك للسعي وقد كنا نشعر بالتعب ولكن ومن جديد عرفنا .. كيف يتبلور التعب عن راحة ، وكيف يتفتح العناء عن طاقات سعادة ، عرفنا كيف يستحيل العذاب الى عذوبة وكيف تهب المرارة معنى الحلاوة ، كانت قلوبنا تخفق بشدة ولكننا لم نكن نعرف من تتابع خفقانها انها مرهفة ولم نكن نجد في تلاحق ضرباتها انها مجهدة . كلا . ولكننا كنا نحس بالشوق يستغذها ونستشعر الفرحة وهي تداعبها فنجدها وكأنها ضائعة بهذا الكيان الذي يحبسها ويفرض عليها قيوده والتزاماته تواقة لأن تنطلق في رحاب هذا البيت لائذة بالحرم كالحمام الوديع او ملحقة في اجوائه كالملاك الطاهر او مرفرفة حول قواعده كالنسمات العذاب ، ولهذا لم نكن نريد ان نجلس لنستريح وانما ذهبنا تحت خطى الشوق واللهفة الى المسعى المبارك ..

ووقفنا بين الصفا والمروة ...
وهو رواق بنيت سقوفه وجدرانه من المرمر الخالص وامتد في وسطه صفان الدارابزون لا يتعدى الفاصل بينهما المترين تتخللهما بين كل مسافة قصيرة فتحة متوسطة الاتساع من أجل مرور المستطرقين وكان اعداد هذين الصفين من أجل حصر السعاة الراكبين بينهما حفاظا على راحة السعاة المشاة ، والسعي يختلف عن الطواف بحرية السير فيه أو الركوب فللانسان الساعي ان يختار الركوب اذا اراد حتى ومع تمكنه من السير وذلك ما لا يصح خلال الطواف الا عند العجز الكامل او الضرورة القصوى وكان هذا الرواق الطاهر يقع بين ربوتين او جبلين مجدبين احدهما وهو الصفا تعتليه قبة منبسطة العمق والثاني الذي هو المروة يكون سقفه مستويا الا من تعاريج البناء ويبلغ طوله حوالي الميل والنصف ومن الصفا كان يجب علينا ان نبدأ السعي فارتقينا هضبته المباركة وأدينا نية السعي قائلات « أسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط لعمرة التمتع الى حج الاسلام لوجوبه امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى » ثم بدأنا نسير سيرا رتيبا يتخلله الدعاء والابتهال وكانت الاصوات من حولنا تتصاعد قائلة : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }.
فما اروع ان تصبح الخطوات وهي مسيرة مؤدية لشعائر الله وما اضخم الحقيقة التي يشترك في الانصياع اليها وجود الانسان بجميع ابعاده وجوارحه وأحاسيسه . انها حقيقة العبادة بشمولها الواسع لشخصية الانسان منها هو السعي لا يتطلب من الحاج سوى نقل اقدامه فوق ارض منبسطة ملساء ولكن ومع كل خطوة ترتسم صورة للعبادة وخلال كل شوط يسجل رقما لاداء الواجب . وبعد ان انهينا اشواطا اربعة جلسنا على مرتفعات الصفا لنسترد شيئا من الراحة لاجسامنا وأقدامنا التي ارهقها المسير ومن هناك انطلقنا نفكر .. فعدنا بافكارنا الى حيث سعت السيدة هاجر ام اسماعيل وهي تفتش عن ماء تروي به ظمأ وليدها الغالي فهي تنطلق تبحث لتعود .. وتعود لتنطلق من جديد وهي في كل هذا موزعة القلب بين طفل ضامىء وأمل في وجود ماء . نعم .. لقد لاقت هاجر الكثير من التعب والنصب وتعرضت لشديد محنة واذى ولكن وبما ان ما لاقته وما تعرضت اليه كان في سبيل الله ومن أجل الانصياع الى اوامر الله فلا زالت كل هذه الملايين من الاقدام السائرة في كل موسم في كل عام ما زالت تتقصى آثار تلك الاقدام الطاهرة في مسيرتها المباركة ، ثم ألم تكن هاجر امرأة ؟ اذن أفلا يمكن لنا ان نعد هذا الجانب من الحج هو تخليد لجهود المرأة في عالم العبادة والفداء ثم ألا يمكن لنا ان نعرف من هذا ايضا ان المرأة قادرة على رسم خطوط بارزة في ميدان العمل والجهاد ؟ وعدنا الى اكمال اشواطنا السبعة بعد فترة استراحة وتفكير .. وانهينا الاشواط السبعة على هضبة المروة وكنا قد صحبنا معنا مقراضاصغيرا من أجل التقصير اذ يجب علينا عند الانتهاء من السعي ان نقصر قليلا من شعر رأسنا أو نقلم قليلا من أضفر يدنا . وقد احتطنا فجئنا بالتقصيرين وبذلك انتهينا من عمرة التمتع للحج .. فالحمد لله على ما هدانا والشكر له على ما وفقنا اليه ..


وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام