نور فاطمة الكبرى
01-23-2013, 10:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الاشراف و عجل فرجهم يا كريم
سلام الله عليك يا ابا عبد اللهما بقيت وبقي الليل والنهار...
الأنس بالله
أن يأنس الإنسان بشيء من الأشياء فهذا يعني بلوغه غاية الراحة معه ، وغاية الراحة لا تحصل إلا عندما يعطيك الشيء المأنوس به كل ما ترجوه الروح وتطمح إليه ، فكلما وجدت الروح شيئا يعطيها أنسها وطمأنينتها لجأت إليه وتخلت عن غيره ، فتارة تأنس الروح بجلسة في ظل شجرة وارفة الظلال يانعة الثمار، يستمع الجالس في ظلها إلى زقزقة الطيور وتغريدها ، ويسرح بنظره إلى روابي خضراء يخترقها غدير ماء رقراق .
إن إنسه بهذا المكان نتج عن حصول الروح على هذا النوع من السكينة ، وقد وفرها له هذا المشهد الخلاب .
وأخرى يأنس الإنسان بإنسان مثله ، يأنس بصوته ، ويأنس بحديثه ، ويأنس بعلمه ، ويأنس بإبداعه ، وسبب أنسه هو ما نالته منه الروح من حاجاتها التي بدورها تخلف فيها الطمأنينة والسكون ، وهنا يكون الإنس أعلى قيمة وأكثر أهمية لدى الإنسان من الأنس في المثال المتقدم لأنه أنس للعقل كما أنه أنس للروح ، أنس بمن يماثله في الأحاسيس والمشاعر .
لكن أعظم الأنس على الأطلاق هو الأنس بالله تعالى لأنه أعظم ما في هذا الوجود ، وأغنى ما في هذا الوجود ، فكل ما سواه فقير إليه وهو الغني الحميد ، ولولا فيضه وعطاؤه لما كان ماء ولا شجر ولا طير ، ولولا فيضه وغناه لما كان إنسان ولا عقل ولا علم ولا إبداع .
إن الإنسان ذو بعدين اثنين لا ثالث لهما ، بعد مادي (هو البدن ) وبعدني روحي ( هو النفس ) وكلاهما يحتاجان إلى ما يغذيهما ويشبع حاجاتهما ، ولا بد وأن يتوافق هذا الإشباع مع طبيعتهما ، فالبدن المادي يتم إشباع حاجاته من خلال الماديات من طعام وشراب وغيره ، والروح وهي أمر مجرد عن المادة يتم إشباعها مما يتوافق وطبيعتها المجردة عن المادة ، وإذا كانت الروح قد جاءت مع عالم علوي ونفخت في بدن الإنسان فهذا يعني أن حاجاتها تحصل عليها من خلال ربطها بعالمها الذي جاءت منه ،قال تعالى : فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ( وقوله تعالى من روحي لا يعني أن الروح جزء من الله سبحانه بل يعني أن الله تعالى ينسبها إليه تشريفا لها ) وهي أي الروح من خلال هذا الإرتباط بالله تعالى تستمد كل حاجاتها المعنوية المجردة . تلك الحاجات التي إن لم تحصل الروح عليها ستبقى قلقة هائمة ضجرة غير مستقرة ،وهذا معنى قوله تعالى : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب .
إن أعلى درجات الإطمئنان القلبي والنفسي ، وأرقى مراقي الروح وأنسها إنما يكون بالإرتباط بالله تعالى والأنس به والكونِ بين يديه والسكون إليه ، ويتم ذلك من خلال الذكر والدعاء والإبتهال والمناجاة ، وإذا أنس العبد بالله تعالى حصل على كل ما يريد ، ووصل إلى غاية الغايات ومنتهى الطلبات . وإذا حصل له ذلك لهى عما سواه تعالى فلم يعد يخيفه شيء ، ولا يجذبه شيء ، ولا يغريه شيء ، لأنه بأنسه بالله تعالى حصل على كل شيء ، لأن الله سبحانه خالق كل شيء ومالك كل شيء ، وبيده مقادير الأشياء كلها .
ولا يأنس بالله إلا عبد أحب الله فتقرب إليه بما فرضه عليه ، وأحبه الله فجذبه إليه وأزال الحجب بينه وبينه . أما ذاك الذي لا يأنس بالله فهو عبد مقته الله وأبغضه نتيجة ارتمائه في أحضان الدنيا وخلوده إليها وارتهانه لها وأنسه بأهلها ما جعل الحجب بينه وبين الله تعالى كثيرة لا يمكن تجاوزها ولا اختراقها .
عندما نجد إنسانا لا يصلي ولا يصوم ولا يتطوع بالمستحب من السنن ولا يقرأ كتاب الله ولا يدعو ولا يبتهل ولا يناجي ولا يتهجد فهذا دليل على أنه انسان محروم من لذة الأنس بالله وإن كان ظاهر حياته يشي بسعادة زائفة ولذائذ عابرة ، لأنه سريعا ما سيكتشف فقره الروحي الهائل .
يقول أمير المؤمنين علي (ع) : إذا رأيت الله يؤنسك بخلقه ، ويوحشك من ذكره ، فقد أبغضك .
اللهم آنسنا بذكرك . والخلوة بك .
.................................................. ...
الأحد الواقع في : 23/12/2012 التاسعة مساءً
السيد بلال وهبي...استاذ في الحوزة العلمية
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الاشراف و عجل فرجهم يا كريم
سلام الله عليك يا ابا عبد اللهما بقيت وبقي الليل والنهار...
الأنس بالله
أن يأنس الإنسان بشيء من الأشياء فهذا يعني بلوغه غاية الراحة معه ، وغاية الراحة لا تحصل إلا عندما يعطيك الشيء المأنوس به كل ما ترجوه الروح وتطمح إليه ، فكلما وجدت الروح شيئا يعطيها أنسها وطمأنينتها لجأت إليه وتخلت عن غيره ، فتارة تأنس الروح بجلسة في ظل شجرة وارفة الظلال يانعة الثمار، يستمع الجالس في ظلها إلى زقزقة الطيور وتغريدها ، ويسرح بنظره إلى روابي خضراء يخترقها غدير ماء رقراق .
إن إنسه بهذا المكان نتج عن حصول الروح على هذا النوع من السكينة ، وقد وفرها له هذا المشهد الخلاب .
وأخرى يأنس الإنسان بإنسان مثله ، يأنس بصوته ، ويأنس بحديثه ، ويأنس بعلمه ، ويأنس بإبداعه ، وسبب أنسه هو ما نالته منه الروح من حاجاتها التي بدورها تخلف فيها الطمأنينة والسكون ، وهنا يكون الإنس أعلى قيمة وأكثر أهمية لدى الإنسان من الأنس في المثال المتقدم لأنه أنس للعقل كما أنه أنس للروح ، أنس بمن يماثله في الأحاسيس والمشاعر .
لكن أعظم الأنس على الأطلاق هو الأنس بالله تعالى لأنه أعظم ما في هذا الوجود ، وأغنى ما في هذا الوجود ، فكل ما سواه فقير إليه وهو الغني الحميد ، ولولا فيضه وعطاؤه لما كان ماء ولا شجر ولا طير ، ولولا فيضه وغناه لما كان إنسان ولا عقل ولا علم ولا إبداع .
إن الإنسان ذو بعدين اثنين لا ثالث لهما ، بعد مادي (هو البدن ) وبعدني روحي ( هو النفس ) وكلاهما يحتاجان إلى ما يغذيهما ويشبع حاجاتهما ، ولا بد وأن يتوافق هذا الإشباع مع طبيعتهما ، فالبدن المادي يتم إشباع حاجاته من خلال الماديات من طعام وشراب وغيره ، والروح وهي أمر مجرد عن المادة يتم إشباعها مما يتوافق وطبيعتها المجردة عن المادة ، وإذا كانت الروح قد جاءت مع عالم علوي ونفخت في بدن الإنسان فهذا يعني أن حاجاتها تحصل عليها من خلال ربطها بعالمها الذي جاءت منه ،قال تعالى : فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ( وقوله تعالى من روحي لا يعني أن الروح جزء من الله سبحانه بل يعني أن الله تعالى ينسبها إليه تشريفا لها ) وهي أي الروح من خلال هذا الإرتباط بالله تعالى تستمد كل حاجاتها المعنوية المجردة . تلك الحاجات التي إن لم تحصل الروح عليها ستبقى قلقة هائمة ضجرة غير مستقرة ،وهذا معنى قوله تعالى : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب .
إن أعلى درجات الإطمئنان القلبي والنفسي ، وأرقى مراقي الروح وأنسها إنما يكون بالإرتباط بالله تعالى والأنس به والكونِ بين يديه والسكون إليه ، ويتم ذلك من خلال الذكر والدعاء والإبتهال والمناجاة ، وإذا أنس العبد بالله تعالى حصل على كل ما يريد ، ووصل إلى غاية الغايات ومنتهى الطلبات . وإذا حصل له ذلك لهى عما سواه تعالى فلم يعد يخيفه شيء ، ولا يجذبه شيء ، ولا يغريه شيء ، لأنه بأنسه بالله تعالى حصل على كل شيء ، لأن الله سبحانه خالق كل شيء ومالك كل شيء ، وبيده مقادير الأشياء كلها .
ولا يأنس بالله إلا عبد أحب الله فتقرب إليه بما فرضه عليه ، وأحبه الله فجذبه إليه وأزال الحجب بينه وبينه . أما ذاك الذي لا يأنس بالله فهو عبد مقته الله وأبغضه نتيجة ارتمائه في أحضان الدنيا وخلوده إليها وارتهانه لها وأنسه بأهلها ما جعل الحجب بينه وبين الله تعالى كثيرة لا يمكن تجاوزها ولا اختراقها .
عندما نجد إنسانا لا يصلي ولا يصوم ولا يتطوع بالمستحب من السنن ولا يقرأ كتاب الله ولا يدعو ولا يبتهل ولا يناجي ولا يتهجد فهذا دليل على أنه انسان محروم من لذة الأنس بالله وإن كان ظاهر حياته يشي بسعادة زائفة ولذائذ عابرة ، لأنه سريعا ما سيكتشف فقره الروحي الهائل .
يقول أمير المؤمنين علي (ع) : إذا رأيت الله يؤنسك بخلقه ، ويوحشك من ذكره ، فقد أبغضك .
اللهم آنسنا بذكرك . والخلوة بك .
.................................................. ...
الأحد الواقع في : 23/12/2012 التاسعة مساءً
السيد بلال وهبي...استاذ في الحوزة العلمية