بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم يا كريم
تَرَقَّ عن النقص
الكمال غاية كل مخلوق ، فما من مخلوق خلقه الله تعالى إلا وينشد الكمال ويسعى إليه جهده ، ويستحيل أن نجد مخلوقا لا يسعى إلى بلوغ كماله ، إلا أن الفرق بين إنسان وآخر يكمن في تحديد مصداق الكمال والطريق الموصل إليه .
فمنا من يوفق لتحديد المصداق الأدق للكمال فيجده في العبودية الكاملة لله تعالى باعتبار أن العبودية لله هي الوسيلة المثلى للنيل من الكمال الحق المطلق المتمثل بالله تعالى ، الله الذي حدد لنا كمالنا وغاية وجودنا بقوله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .
ومنا من يخطئ في تحديد المصداق الأكمل والأدق لكماله ، فيراه في المال ، أو الصحة ، أو السلطة ، أو الجمال ، أو المتاع ، أو غير ذلك ، حتى إذا ما حاز كل هذا بقيت الرغبة لديه للحصول على المزيد ، وهذا يدل على أنه أخطأ في تحديد كماله .
ومن جهة أخرى فإن البعض منا ربما يوفق لتحديد المصداق الأدق لكماله لكنه يخطئ في تحديد الطريق الموصل إليه ، فمنا من ينشد الكمال في أخلاقه ، لكنه يخطئ السبيل إليه ، ومنا من ينشد كمال عبوديته لله ، لكنه لا يقوم بما يؤدي به إليها .
فما الحل اذا ؟
أعرض المشكلة على رباني هذه الأمة ، على أمير المؤمنين علي (ع) فعنده الحل الحق ، والهداية العظمى .
يقول (ع) : لن تدرك الكمال حتى ترقى عن النقص .
إن بلوغ الكمال من وجهة نظره عليه السلام يكمن في الترفع عن النقائص وما أكثر النقائص فينا .
إن الإنسان وإن كان يولد مكتمل البدن سليم الخلقة ، لكنه ينتقل من نقص إلى كمال ، فهو يباشر حياته رضيعا ثم يحبو على ركبتيه ثم يقف على قدميه إلى أن يشب ويكبر وصولا إلى مرحلة البلوغ ومن ثم الرشد، وهو يولد جاهلا خاليا من العلوم والمعارف ( ما خلا الإستعدادات الفطرية التي أودعها الله في كيانه ) فيتعلم الأشياء شيئا فشيئا ، ويتعرف على محيطه رويدا رويدا ، وهكذا يمضي في حياته يتكامل إلى أن يبلغ أشده ويستوي عضده ويكمل عقله ، ولم يكن الكمال سوى تخليه عن النقائص واستبدالها بالكمالات البدنية والروحية والأخلاقية ، وهذا يعني أن الترقي عن النقائص يوصل إلى الكمال ، وهذا ما يعنيه أمير المؤمنين (ع) بقوله : لن تدرك الكمال حتى ترقى عن النقائص .
يبقى أن أشير إلى أن الإنسان وإن بلغ من العمر ما بلغ ، يبقى معرضا للنقص والضعف ، فكما أن الجسم السليم يتعرض لأمراض شتى تنال من قوته وبنيته الجسدية فيلجأ إلى التداوي ، وقبل الدواء يلجأ إلى أخذ اللقاحات التي تعطي بدنه المناعة ، فكذلك الأمر من الناحية الروحية ، فربما يكون سليما لكنه يتعرض للكثير من الموبقات التي تسبب له الأمراض الروحية ، فلا بد والحال هذه من تناوله للدواء الناجع في هذا الشأن ، كما ينبغي له أن يتناول اللقاحات الروحية التي تحول دون إصابته بعدوى الذنوب والمعاصي والموبقات .
وهذا معنى ما حثت عليه الروايات الشريفة من ضرورة التنبه للنفس ومراقبتها ومشارطتها ومحاسبتها على أفعالها ، والإبتعاد بها عن مجالس اللهو والفسق والفجور .
وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد اهل البيت عليهم السلام
صبيحة يوم الأحد الواقع في : 27/1/2013 الساعة الثامنة .
السيد بلال وهبي
.............................